الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

من قراءات جمعة الفاخري




ويش خير من ودّ تصدق أشواقه
للشَّاعِر/ الرويعي موسى الفاخري


جمعة الفاخري


مُفْتَتَحٌ

    هذهِ القصيدَةُ عَاقِلَةٌ جِدًّا ؛ تُكيلَ لنا حكمَهَا البليغةَ ، وتهيلُ على عقولِنَا من  عطرِ كلماتِها ، وعبيرِ معانيها ، تتدرَّجُ بنا عبرَ محطَّاتٍ حكميَّةٍ مختلفةٍ تتباهى كلٌّ منها على الأخرى بفتنَتِهَا ، بحسنِ صِيَاغَتِهَا ، وروعَةِ معانيها ، وجمالِ تصويرِهَا ، يُغرِينَا الشَّاعِرُ بِالاستراحَةِ فِيها ، بينَ الحلمِ والخيَالِ ، إِنَّهُ يقترحُ علينا أن نتخيَّرَ لقلوبِنَا المحطَّةَ التي تليقُ بها ، وبنا ، فيتدرَّجُ مستعرضًا فتنةَ محطَّاتِهِ ، مغريًا إيَّانا بالتَّوَقُّفِ عندَها ، مظهرًا مَزايا كلٍّ منها ، إلى أن يتوقَّفَ قطارُهُ الشِّعْرِيُّ المحمَّلُ بِكُنُوزِ الحكمَةِ ، وثَرَاءِ المعاني ، ودقَّةِ التَّصْوِيرِ ، وَرُوعَةِ الأَوْصَافِ ، وجمَالِ التَّنَاولِ والمعَالجَةِ ، وَصَوَابِ النَّظرَةِ ، وصدقِ العاطِفَةِ ، عندَ محطَّتِهِ الأخيرَةِ المقترَحَةِ ، وهيَ المحطَّةُ الأكثرُ فتنةً وإِمْتَاعًا وَإِقْنَاعًا.
    يبدأُ الشَّاعِرُ قصيدتَهُ باستفهامٍ إقراريٍّ يحملُ في ثنايَاهُ ثلاثةَ أسئلةٍ فحوَاهَا: " هل ثمَّةَ ما هو خيرٌ من وُدٍّ صَادِقِ الأَشْوَاقِ ، ومجلسٍ رائقٍ ، والتِّطْوَافِ في الخلاءِ معَ رِفَاقٍ خَيِّرينَ أَعِزَّاءَ".
(ويش خير من وِدّ تصدق أشواقه .. ومجلس رواقه .. وْجَوْب الخلا مْعَ خْيار الرَّفاقة)
والشَّاعِرُ - ضِمْنًا – يُقِرُّ أنْ ليسَ ثمَّةَ ما هو خيرٌ من هذهِ المقترحَاتِ الثَّلاثَةِ ، وإنْ بدا أنَّهُ يُخِيِّرُنا إحداها ؛ لكنَّهُ في الحقيقَةِ يرى أنَّهَا مجتمعةٌ تجمعُ على القلوبِ المتعَةَ والمسرَّةَ ، وتتيحُ لها لحظَاتِ الفرحِ البهيِّ  ، وتيسِّرُ لها البهجةَ والسَّعادَةَ.
وقد كانَ هذا المفتتحُ الرَّصِينُ عتبةً أولى للولوجِ للقصيدةِ ، ليحيلَنا بعدَها إلى عتباتٍ أخرى ، إلى جملةٍ منَ المحطَّاتِ ، المقترحَاتِ ، أضمومَةٍ منَ الْمَفَاتِنِ الشِّعْرِيَّةِ ، الْبَرَاحَاتِ النَّفسيَّةِ التي يجدُ فيها المرءُ غاياتِهِ ، ويلقى مُبْتَغَاهُ ، ويعثرُ على ضَالَّتِهِ ضِمْنَ أحلامِ الشَّاعِرِ المبَاحَةِ للسَّعَادَةِ ، ويصلُ إلى مرامِ نفسِهِ الطمَّاحَةِ للرَّاحَةِ والرَّوَاقِ ، والفرحِ الهادئِ البرِيءِ فيهمسُ لقلوبِنَا قائِلاً:
(ويش خير من وِدّ تصدق أشواقه .. ومجلس رواقه .. وْجَوْب الخلا مْعَ خْيار الرَّفاقة)
( 1 )

وهل هناكَ ما هوَ أدعى للسَّعَادَةِ من هذهِ اللَّحَظَاتِ المغموسَةِ في الفرَحِ ..؟ إذ لا شيءَ يبتغيهِ المرِءُ بعدَ هذهِ السَّعَادَةِ التي يسردُهَا الشَّاعِرُ ، فمهما طافَ على خيالِ المتلقِّي من لحظاتِ سُرُورٍ عاشَهَا أو مرَّتْ بِهِ ، أو يَتَمَنَّاهَا ، أو يحلمُ بها ؛ فلن يجدَ أجملَ ولا أحلى ولا أطلى من هاتِهِ اللَّحَظَاتِ:  
ويش خير من كل لحظة سعيدة  
وطفرة جديدة  
وخطوة رشيدة  
ونظرة سديدة
بعين لاورا وعين شور البعيدة  
وخطفةْ سويعات داهن تحيده
الكبود الزهاقه  
ويطرشق زواقه  
جضار عمر دار فوق منهن احراقه
   وبعدَ أن وَلَجَ الشَّاعِرُ بِنَا أولى المحطَّاتِ الَّتي أقْلَعَ قِطَارُهُ الشِّعْرِيُّ صَوْبَهَا ، يُجْمِلُ السَّعَادَةَ في عبارَةِ جامعةٍ مانعةٍ ( كلّ لحظة سعيدة ) ، للوهلةِ الأولى نرتابُ من أَنَّ الشَّاعِرَ قد زَجَّ بِهذهِ العبارَةِ حَشْرًا بَيْنَ قَوَافِيهِ ليستقيمَ الإِيقَاعُ الشِّعْرِيُّ السُّدَاسِيُّ المقَاطِعِ ، لكن بنظرةٍ مُتَفَحِّصَةٍ نَكْتَشِفُ أنَّ العبَارَةَ المقصودَةَ قد وُضِعَتْ في مكانِهَا بعنايَةٍ ؛ فَهذَهِ التَّجَارُبُ الخلوِيَّةُ ، الفُسَحَاتُ النَّفْسِيَّةُ الشَّائِقَةُ الرَّائِقَةُ ، لمن لم يجرِّبْهَا ، هي تجربةٌ جديدةٌ ( طفرة جديدة ) كما أَنَّهَا لمن أَلِفَهَا تجرِبَةٌ جديدَةٌ أيضًا ، لأنَّ الخلاءَ ، الطَّبيعَةَ الخلاَّبَةَ الولودَ والمبتَكَرَةَ والمبتدَعَةَ دومًا ، تتزيَّنُ لعَاشِقِيهَا كَلَّ حَينٍ فتمنحُ القلوبَ العَاشِقَةَ لها المتعَ التي تبتغيها ، والدَّهْشَةَ الَّتي تشتهيهَا ، فهي طَفْرَةٌ جديدةٌ تحدثُ كُلَّ لحظةٍ ؛ فالطَّبيعَةُ السَّاحِرَةُ الممتدَّةُ باتِّسَاعٍ لانهايةَ لَهُ تجدِّدُ نفسَهَا ، تجدِّدُ فتنتَهَا وإدهاشَهَا وإمتاعَهَا وإثارَتَها ، فكلُّ زيارةٍ لها هي طفرَةٌ جديدةٌ تتجدَّدُ كلَّ حينٍ كما يرى الشَّاعِرُ ، وتؤكِّدُها الطَّبيعَةُ المتجدِّدةُ والمجدِّدَةُ أبدًا.
واتخاذُ هذهِ الخطوةِ (خطوة رشيدة) كما أصدرَ الشَّاعِرُ عليها حُكْمَهُ ، والجوُّ العامُّ للقصيدةِ تُؤِكِّدُ مجتمعةً صِدْقِيَّةَ هذا الزَّعْمِ الشِّعرِيِّ الوَاثِقِ ، كما يدعمُهُ الشَّاعِرُ بعبارَةٍ مردفِةٍ أخرى ( ونظرة سديدة ) ثم يُفَسِّرُ هذا المقترحَ ، وهاتِهِ المزَاعِمَ بِعِبَارَةِ ( بعين لاورا وْعين شور البعيدة ) كأنَّهُ يطلبُ منَّا أن ننظرَ للوراءِ / الماضي ، لنستقيَ منه العِبَرَ والدُّروسَ ، وللبعيدِ / المستقبلِ ، لتستقرئَ الآتيَ  أو أن نقارِنَ بينَ ما تركنَاهُ وراءَنَا من حياةِ المدنِ المعلَّبَةِ ، الحبسِ القسرِيِّ بينَ جدرانٍ خراسانيَّةٍ ، والحياةِ المضبوطَةِ ضبطًا مفزعًا على رصانةِ ودقَّةِ ساعاتِ الرُّوتينِ القَتُولِ ، وبينَ الانفلاتِ الرُّوحيِّ والنَّفْسِيِّ ، والحرِّيَّةِ الوَاسِعَةِ التي يمنحُهَا لنَا الخلاءُ المنفَتِحُ بلا حدودٍ ، بلا نهايةٍ ، ويؤمِّلُنا إِيَّاهَا الْوَعْدُ الأَخْضَرُ المونِقُ الآتي لائِحًا في البعيدِ ؛ فَالْبَيْت ُمُتَعِدِّدُ القِرَاءَاتِ ، حَمَّالُ أَوْجَهٍ ، وهذهِ مزيَّةٌ نادِرَةٌ مُتَفَرِّدَةٌ يتوَشَّحُهَا الشِّعْرُ المبْهِرُ المحيِّرُ المستَفِزُّ.
( وخطفةْ سويعات داهن تحيده ) الخطفُ عَمَلٌ دِقِيقٌ يحتاجُ لجرأةٍ
ومهارَةٍ ، ويتطلَّبُ قدرةً عاليَةً على التَّنفيذِ والاقتناصِ ، وقد وُفِّقَ الشَّاعِرُ في استعمَالِ لفظَةِ ( خطفة ) لأنَّ هذَهِ اللَّحَظَاتِ الماتِعَةَ مختطَفَةٌ من عمرٍ طويلٍ مُغْرَقٍ في وَحْلِ الالتزامَاتِ ، وثقلِ الرُّوتينِ.
  إِنَّهَا سويعَاتٌ لطيفَةٌ تبيحُ مَنْحَ اللَّحَظَاتِ المخْصُومَةِ حُبَّ الشَّاعِرِ ، فألزَمَنَا حُبَّهَا مِثْلَهُ ، فَهَاتِهِ السُّويعَاتُ - على قِلِّتِهَا - تُزِيحُ ما رَانَ على الكُبُودِ ، القُلُوبِ ، الأَرْوَاحِ ، النُّفُوسِ ، من كدرٍ وهمومٍ وَمَتَاعِبَ ، وذلكَ ما تقولَهُ عبارَتُهُ الشِّعْرِيَّةُ ( الكبود الزَّهاقة ) ، أي المرْهَقَةُ المتْعَبَةُ الْمُضَيَّقُ عليها قَلَقًا وَوَحْشَةً وَاغْتِرَابًا ، تَضَجُّرًا منِ همومِ الحيَاةِ ، وَتَأَذِّيًا من أدرانِ العَيْشِ وَأوصَابِ التَّمَدُّنِ ، حتى يتجلَّى ذيَّاكَ الكَدَرُ ، وذلك الهمُّ ، فتعودُ صَافِيَةً بكرًا (يطرشق زواقه ). يَنْقَشِعُ مُنْجَلِيًا إِلى غيرِ عودَةٍ.
  و( الجضرُ ) تصحيفٌ لـ ( الضَّجَرِ ) وهو لَفْظٌ عَامٌّ للهَمِّ والغَمِّ ، اللاجدوى _ والشَّاعِرُ الَّذِي قاسى هذهِ العذابَاتِ ، يقترحُ علاجًا ناجِعًا لها ، هو هذهِ السُّويعَاتُ الممتِعَةُ ، المضادَّةُ للضَّجَرِ لانجلاءِ ( جضار ) العمرِ الَّذِي رَانَ على هَاتِهِ الأَكْبَادِ فَغَشَّاهَا بِسَوَادِهِ ، وَأَفْقَدَهَا مُتَعَ الإِدْرَاكِ ، وَلِذَاذَاتِ التَّمَتُعِ .
لقد أَرْكَبَنَا الشَّاعِرُ قِطَارَ الحُلُمِ ، وعَبَرَ بِنَا عَبْرَ المقطَعِ السَّابِقِ محطَّاتٍ عِدَّةً ، نقلَنا من مَقَارِّ سُكْنَانَا ، قبورِنَا المدَنيَّةِ ، إلى جَنَّاتِ الخَلاءِ الْفَسِيحِ.

( 2 )
في المحطَّةِ الثَّانيَةِ ، وهي من أوضحِ المحطَّاتِ لُغَةً وَمعانيَ ؛ يتوقُ الشَّاعِرُ إلى اجتِماعِ شملِ الأَحِبَّةِ ، على وُدٍّ غامرٍ ، وأن يلتئِمَ جمعُهُم بلعبٍ وتسَالٍ تصفو بِهِ اللَّيَالي مُتَوَالِيَةً بمتعِها وجمالِهَا ، فَتَبَاتُ الْعُقُولُ بها خَالِيَةً منَ الهمومِ ؛ فَأَصْحَابُهَا يَتَفيَّؤونَ ظِلالَ دنيا تروقُ لهم ، لكأنَّ هذهِ الحالةَ منَ البهجَةِ مَنَامٌ رَائِقٌ يَصْدُقُ بعدَ ذلكَ فَيُجَسَّدُ حقَيقةً ماثلةً بوعودِهِ بالفرحِ والزَّهوِ والهناءِ والسَّعَادَةِ ، ثمَّ تزدادُ حالَةُ الفرحِ الاستثنائيَّةُ هذهِ اِنفتاحًا متبوعَةً بضحكةٍ مِلْءَ شِدْقيها تعبيرًا عن أجواءِ الابتهاجِ وَالحبورِ الَّتي تَلَفُّ الأَصْدِقَاءَ بوشَاحِ الانْبِسَاطِ ، تغمرُهُمُ المحبَّةُ الوَارِفَةُ ، وَالأُخُوَّةُ الصَّادِقَةُ:
- ويش خير من لَمّ شمل الغوالي 
ولعب وتسالي
وصفو اللَّيالي  
يتَّالن توالي  
علي عقول مِ الهَمّ باتن خوالي
مباسيط في هيف دنيا توالي  
منام الرَّواقة   
تصدَّق اصداقه
وتزيد اطرشاقه       
بْضحكه علي وسع فمها لحاقه
والأبْيَاتُ وَاضِحَةٌ بِذَاتِها ، مُعَبِّرةٌ عن حَالِ الابتهَاجِ ، وروعَةِ أجواءِ الْفَرَحِ والانبِسَاطِ التي ينغمسُ فيها الجمعُ ، وتستغرقُ فيها الأرواحُ ، وتتماهى فيها الأنفسُ.
( 3 )
   في المحطَّةِ الثَّالِثَةِ يَصِلُ الشَّاعِرُ إلى ذكرِ المكانِ المقترَحِ لتلكَ النُّزْهَةِ الرُّوحيَّةِ المأمولَةِ ، الرِّحْلَةِ الخلَوِيَّةِ التي يقترحُها الحلمُ الشِّعْرِيُّ ، حُلُمُ الشَّاعِرِ المنفَتِحُ دونَ قيودٍ ، ثم يصدقُ واقعًا مجسَّدًا بعدَ ذلكَ ، ذاكرًا الوسيلَةَ الموصِلَةَ إلى ذيَّاكَ المكانِ المبْتَغَى ، فيقولُ :
- ويش خير من شَقّ صحرا خشينة 
بكروزر متينة
علي قلب زينه     
مسكِّت حنينه 
مفيت مروحه تنوح نوح الحزينة 
عليه وينما جرّ لخضار عينه    
اللِّي برتشاقه  
علي رِقّ سَاقه
وْخفّ انطلاقه     
جاباته وما طال يزمط ارياقه
لا أَلَذَّ من شَقِّ الصَّحْرَاءِ الخشنَةِ بأوعارِهَا وَعَوَائِقِهَا ، بسيَّارَةٍ غَايَةٍ في القوَّةِ والمتَانَةِ ، ذاتِ مُحرِّكٍ عالي الجودَةِ ، شديدِ الصَّلابَةِ ، فلا يكادُ يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ عَدَا أَنينِ المروحَةِ كَنُوَاحِ المرأةِ الحزينةِ :
- ويش خير من شق صحرا خشينة        بكروزر متينة
علي قلب زينة      امسكِّت حنينه      مفيت مروحه تنوح نوح الحزينة 
 ثم ينقلُنَا الشَّاعِرُ إلى مشهدٍ فرعيٍّ آخرَ يدخلُ في المشهدِ العامِّ ( شقِّ الصَّحراءِ ) ، ولأجلِ مُطَارَدَةِ الْغَزَالِ ، ذلكَ الحيوانِ الصَّحراويِّ الشَّرُودِ ، ( عليه وينما جَرّ لخضار عينه ) ، فَعَيْنُ الْغَزَالِ تُرَى خضرَاءَ ليلاً حينَ تُسَلَّطُ الأضواءُ عليها ، بخلافِ عينِ الذِّئبِ الحمرَاءِ ،  وهي ترى هنا على هذهِ الشَّاكِلَةِ تحتَ الأضْوَاءِ الَّتي يسلَّطُها الصِّيَّادُ عليهِ من كواشِفِ سَيَّارتِهِ ، والمعنى أن لونَ عينيهِ هو ما لَفَتَ انتبَاهَ الصَّيَّادِ إليهِ ، فحينما يجفلُ أمامَهَا ذلِكَ الكَاِئنُ الْعَدَّاءُ الرَّشِيقُ، رقيقُ السِّيقَانِ، خفيفُ الانطلاقِ ، تُغَالِبُهُ الرَّكْضَ فَتَتَعَدَّاهُ قبلَ أن يقطعَ الشَّوطَ من ركضِهِ السَّريعِ بغيَةَ النَّجَاةِ:( جاباته وما طال يزمط رياقه ) أي أنَّ السَّيَّارةَ الْبَالِغَةَ السُّرْعَةِ أمكنَتْ راكِبيها الصَّيَّادِينَ من اصطيادِهِ في فترةٍ وجيزةٍ ، قبلَ أنْ يتمكَّنَ من ابتلاعِ رِيقِهِ ، وهذا فِعْلٌ يَسْتَوْجِبُ هُنِيهَةً ، بُرْهَةً خَاطِفَةً ، وَالتَّعْبِيرُ الدَّقِيقُ كِنَايَةٌ عن سَرعَتِهَا الفَائِقَةِ ، وَقُصْرِ الوقتِ الَّذِي لاحَقَتْ فيه الغزالَ الفَّارِّ أمامَهَا ، ليقبضَ عليه راكِبُوها.
( 4 )
    ويمضي في ذِكْرِ الطِّرَادِ ، فيرسُمُ مشهدًا آخرَ من أمنيَاتِ مُحِبِّي الصَّحرَاءِ، وهو اصطحَابُ الصُّقُورِ في رحلاتِ الصَّيدِ في الخلاءِ: 
ويش خير من شيل دامي أظفاره 
غريم الحبارى 
امنين ما تمارى
وْصَرَّد أنظاره       
وْنَطَح في القزاز هَمّ هَمَّةْ طْياره
دوَّار في السَّمَا حَقّ كظَّم ادباره   
وْطَوَّح ازقاقه
وْفاج بْمَراقه 
وْلحقه ساقه 
بْكَفَّه وجا ماسكه من خناقه
( ويش خير من شيل دامي أظفاره ) فلا أروعَ من حملِ هذا الطَّائرِ الجارحِ .. المغارَمِ لطيرِ الحبارى ، الفاتِكِ بِهِ أبدًا ، وهو يُمهِّدُ بما سَبَقَ لنقلةٍ أخرى مهمَّةٍ ، إذ يشرعُ في رَسْمِ الأحدَاثِ مشهديًّا " امنين ما تمارى" أي منذ أن لَمَحَ وَتَمَعَّنَ في فريسِتِهِ للتَّأَكُّدِ منها ، مُرَكِّزًا نَظَرَهُ فيها بانتباهٍ شديدٍ ( وصرَّد أنظاره ) ليحدثَ بعدَها حركةً فجائيَّةً شديدةً مُصْطَدِمًا إِثْرَهَا بِزُجَاجِ السَّيَّارَةِ ، هَامًّا بالطِّيرانِ خلفَ الفريسةِ ؛ فلقد اقتنصَ بصرُهُ دَوَّارًا ( ذَكَرَ الحبَارَى ) مُحَلِّقًا في السَّماءِ ، مُحْدِثًا حَركَةً أُخْرَى تُنْبِئُ باستعدَادِهِ لمطارَدَةِ الْفَرِيسَةِ ، وَالتَّحَفُّزِ لِلِّحَاقِ بها ، فلقدْ جَمَعَ إليهِ أَظْفَارَهُ الدَّامِيَةَ الحَادَّةَ استعدادًا للفَتْكِ بالطَّريدَةِ ، بالهدَفِ المحدَّدِ ،" وْكَظَّم أدباره " ، وَرَمَى بعضَ مخلَّفَاتِهِ ، مَارِقًا نحوَها كالسَّهْمِ ، لاحِقًا بـ (الدَّوَّار ) - ضاربًا إيَّاهُ بأظفارِهِ الحادَّةِ القَاطِعَةِ ، ليعودَ ممسكًا برقبتِهِ. 
 إِنَّهَا مَشْهَدِيَّةٌ مُكْتَمِلَةُ التَّفَاصِيلِ ، يُقْحِمُنَا فِيهَا الشَّاعِرُ ، فنرى بقلوبِنَا مشهدَ الصَّيدِ بالصُّقُورِ ، إذ لم يُهْمِلِ الشَّاعِرُ فيها شيئًا منَ التَّفَاصِيلِ ، راصِدًا حَرَكَاتِ الطَّائِرِ الْجَارحِ بَدْءًا من طريقَةِ حملِهِ ، فرصدِهِ للفريسَةِ ، فَهَمِّهِ بِالطَّيرَانِ ، فَلَحظةِ انطلاقِهِ خَلفَهَا ، حتَّى لحظةِ الْقَبْضِ عليها ، والعودَةِ بها إلى ( الرَّمَّاكِ ) الصَّائدِ بِالصُّقُورِ.
والشَّاعِرُ لم يكنْ مجرَّدَ صيَّادِ كلماتٍ وصورٍ ومشاهدَ ، وإِنَّما كانَ يصطادُ حقيقةً طيورَ الدَّهْشَةِ بِعِبَاراتِهِ وصورِهِ وتوقيعاتِهِ الشَّعْريَّةِ المؤثِّرَةِ.
وثمَّة ارتباطٌ وثيقٌ بينَ اللَّوحتينِ الشِّعْرِيَّتِينِ الأخيرتينِ ؛ فَشَقُّ الصَّحْرَاءِ يحتاجُ لسيَّارَةٍ حديثةٍ متينةٍ بالمواصَفَاتِ التي ذكرَهَا الشَّاعِرُ ، وَغَالِبًا مَا يحتاجُ الصَّيدُ بِالصُّقُورِ في عُمْقِ الصَّحْرَاءِ الخَشِنَةِ الوَعِرَةِ لهذِهِ الوسيلَةِ المهمَّةِ.

 ( 5 )
      في المحطَّةِ التَّالِيَةِ ، يستريحُ الشَّاعِرُ بنا إلى جلسَةٍ هَادِئَةٍ ، إلى مستراحٍ بهيٍّ ، بعدَ سفرٍ شَاقٍّ شَائِقٍ ، ومطارَدَةٍ مَاتِعَةٍ للغزلانِ والحبارى ، يُجَهِّزُ لهُ الشَّاعِرُ لوازِمَهُ واحتياجاتِهِ ، فيقولُ:
- ويش خير من بوخ شاهي الكمرة 
بْخَفَّاتْ جَمْرَة  
مْعَ طول سَمْرَة
علي ضَيّ قَمْرَه 
نجومها مذابيب بيضا وْحمرا 
علي روض طَشّ النَّدَا فيه همره
نوَّاره عراقه
تغامض أوراقه 
لا نَسَّم خثاقه
شطيط النَّفَس ينتفض من فْوَاقَه
 يقترحُ الشَّاعِرُ علينا ، وعلى مرافقيهِ ، شايًا ليبيًّا ينضجُ على جمراتٍ خفيفةٍ ليستوي على مهلٍ ، كما ينبغي ، أو كما يبتغي الشَّاعرُ ورفاقُ رحلَتِهِ ، إذ ليسَ ثَمَّةَ جلسَةٌ رَائقَةٌ عندَ الإِنْسَانِ اللِّيبيِّ لا يَتَقَدَّمُهَا الشَّايُ اللِّيبيُّ ، ( ويش خير من بوخ شاهي الجمرة ) ، فهوَ شَايٌ يَنْضَجُ على جَمْرٍ خَفِيفٍ ليطولَ السَّمَرُ حولَ جَلْسَةِ الشَّاي ، وقد أوردَ الشاعرُ هيأةَ الشَّاي وهو يغلي ( بوخ ) ، ومنَ المعروفِ عندَ اللِّيبيِّينَ أنَّ الشَّايَ الأحمرَ الثَّقِيلَ الَّذِي يُطْهَى لوقتٍ طويلٍ يُسبِّبَ الأرقَ ، أو يُؤَخِّرُ النَّوْمَ  ، ويُعِينُ على الصَّحْوِ اللَّيْليِّ الْمَاتِعِ.
وأيُّ سمرٍ هذا ..؟ سمرٌ تحْتَ ضَوْءِ الْقَمَرِ ، تبدو فِيهِ النُّجُومُ مُتَبَاعِدَةً في صُحْنِ السَّمَاءِ بلونينِ أبيضَ وأحمرَ : ( علي ضَيّ قمره  .. نجومها مذابيب بيضا وْحمرا  ) ، فعندما تتأمَّلُ النُّجُومَ في اللَّيلَةِ الصَّافِيَةِ ترى اختلافًا عجيبًا في ألوانِهَا ، وأغلبُهَا تميلُ إلى البياضِ والاحمرارِ.
أمَّا المكانُ المنتخَبُ لهذهِ الجلسَةِ الخياليَّةِ فـ (علي روض طَشّ النَّدَا فيه همره ) ، مكانٌ باهرٌ وسطَ روضٍ مزدهرٍ بخضرتِهِ ونضارتِهِ ، يتهاطلُ على الجالسينَ النَّدى الرَّقيقُ الدَّقيقُ رِذَاذًا ، لكنَّهُ يَصُبُّ على المكانِ بلطفٍ ، كِنَايَةً على نداوةِ الجوِّ ، وطراوةِ المجلسِ ، فَطَشٌّ : في لسانِ العَرَبِ: الضَّعِيفُ ، وفي اللَّهْجَةِ بِنَفسِ المعنى لوصفِ كلِّ دقيقٍ منتشرٍ .. كطشاشِ النَّارِ وَطشُّ المَاِء وغيرُ ذلكَ .. هَمْرَه : في لِسَانِ العربِ ( الهمر ) الصَّبُ . وفي اللَّهجَةِ بِنَفْسِ الْمَعْنِى كذلكَ .. وَالمعنى كَمَا أرادَ الشَّاعرُ إيصالَهُ للمتلقِّي ، أنَّ النَّدى ينهمرُ طَشًّا دقيقًا رقيقًا على المكانِ المزدَهِرِ خُضرَةً وَرُوَاءً وَطَرَاوَةً.

وقد أوضحَ الشَّاعِرُ – ضمنيًّا – أنَّ هذهِ الجلسَةَ المدهشةَ تحتضنُهُا ليلةٌ صيفيَّةٌ شديدةُ الصَّفَاءِ ، تتحرَّكُ فيها الشُّهُبُ بسرعةٍ مدهشةٍ يختلطُ فيها البياضُ بالحمرةِ ، وقد أَشَارَ إلى اعتدَالِ الجوِّ ، وملاءمتِهِ لهذهِ اللَّحَظَاتِ الرَّائِعَةِ.
ثُمَّ يُضِيفُ لِلْمَشْهَدِ الْمُقْتَرَحِ صَوْرَةً أخرى ، لتكتملَ في الأَذْهَانِ أَبْعَادُ اللَّوْحَةِ الَّتي يَرْسِمُهَا لَنَا ، ويغرينا بها ، عبرَ مُخَيِّلَتَهِ الْمُبْدِعَةِ ، الْمُبَالِغَةِ ، الْمُكَبِّرَةِ ، الْمُصَوِّرةِ بِإتْقَانٍ لكلِّ زَوَايَا الْمَشْهَدِ الْمَهَيْبِ ؛ فَفِي جَوٍّ اسْتَثْنَائِيٍّ سَاحِرٍ تَقْطُرُ زهورُهُ بِالنَّدَى ، بِالعَرِقِ المسْكِيِّ الفَتَّانِ ، وقد أَغْلَقَتِ الأَوْرَاقُ تُويجَاتِها ( على روض طَشّ النَّدا فيه همرا ) فَإِذَا ما لامَسَهَا النَّسِيمُ المنعشُ ، الخفيفُ الْهُبُوبِ ، السَّرِيعُ المرورِ ، أفاقتْ على قُبُلاتِهِ ، وَلِطَرَاوَةِ وَرَقِّةِ النَّسَمَاتِ فَإِنَّ من يُعَانِي صُعُوبَةً في التَّنَفُّسِ ينبَضُ حَيَاةً من فوحِ ذَيَّاكَ الْعِطْرِ المتنَسَّمِ:
نوَّاره عراقه
تغامض أوراقه 
لا نَسَّم خثاقه
شطيط النَّفَس ينتفض من فْوَاقَه
وفي الشَّطرِ الأخيرِ من هذا المقطعِ الجميلِ ، وَصْفٌ بَلِيغٌ نَمَّ عن نقاءِ الجوِّ ، واعتلالِ الهواءِ ، لكأنَّ متنسِّمَهَا تُعَادُ لَهُ الرُّوحُ ، وَتُوْهَبُ لَهُ الحياةٍ ، ويردُّ لَهُ النَّفَسُ بعدَ مَوَاتٍ : (شطيط النَّفَس ينتفض من فْوَاقَه ) ، جاءَ في لسَانِ العربِ أنَّ ( كلّ بَعِيدٍ شاطٌّ ) ، والمعنى أنَّ من شَطَّ عليهِ النَّفَسُ ، أي بَعُدَ وَصَعُبُ وَتَعَسَّرَ ، ينتفِضُ مُسْتَفِيقًا حالَ اشتمامِهِ تلكَ النَّسَمَاتِ الطَّريَّةِ النَّديَّةَ.
في هذهِ الأجواءِ المثاليَّةِ يمتدُّ السَّهَرُ حتَّى بواكيرِ الصَّبَاحِ ، وَقْتَ تَثَاؤُبِ الزَّهَرَاتِ حينَ يُوقظُهَا النَّدَى ، ويُلاعِبُهَا النَّسِيمُ ، فتشرَحُ الصُّدُورَ ، وتملأُ الأَعْمَاقَ اِرْتِيَاحًا ، وتسكبُ في الكونِ عِطْرَهَا ، ألم يقلِ الشَّاعِرُ قَبْلاً إِنَّهَا لحظَاتٌ مُخْتَطَفَةٌ ..؟ ألم يَقُلِ الشَّاعِرُ الحكيمُ عمرُ الخيَّامِ:
فَاغْنَمْ مِنَ الْحَاضِرِ لَذَّاتِهِ     فَلَيْسَ فِي طَبْعِ اللَّيَالِي الأَمَانْ 

 ( 6 )
ويش خير من خبط غيم البداري
عشرِيةْ الصَّحاري
بْشبوب ماه جاري
سفا مْعَ الحداري
وْثوَّر تراب البلط والقعاري
وْعدَّى ايْوشّ فوق حيط وْشفاري
وْجَبل من شهاقه
نزل في ضياقه
عَ المالح دفاقه
تقرَّع تراب حمر بدَّل مذاقه
 وَالْبَدَوِيُّ يدعو دومًا لصحرائِهِ بِأن تُسَقَى بِالمطَرِ ، فهي روحُهَا ، وحَيَاتُهَا ، وَسَبَبُ حيَاةِ كُلِّ كائنَاتِهَا ، وهو يتمنَّى أبدًا مطرًا بِكْرًا ، يأتي مُبْتَدِرًا في الخريفِ يَهْطُلُ على الأرضِ خَبْطًا بقوَّةٍ وعنفوانٍ ، فَيُصِيبُ ( عشريةْ الصحاري ) الأرضَ ذاتَ المرتعِ ، سريعةَ الإنبَاتِ والإيناعِ ، بشؤبوبٍ يسيلُ مَاؤُهُ فَيُجْرِي أَوْدِيَةً صغيرةً عبرَ الأراضي الممتدَّةِ ( سفا مع الحداري ) فأيقظَ ترابَ الأرضِ المستويَةِ السَّريعَ إِنبَاتَ الأعشابِ. ولقد نجحَ الشَّاعِرُ في توظيفِ كَلِمَةِ ( ثَوَّر ) ؛ فالماءُ المسَالُ أَوْدِيَةً ثورةٌ خضراءُ يقلِبُ ذلكَ القحطَ والمحلَ إلى ربيعاتٍ خضرٍ سُنْدَسيَّةٍ ، إِنَّهَا ثورَةُ الإيناقِ المذهِلِ ، والإينَاعِ المثيرِ ، على جبروتِ الجدبِ المقيتِ.  

( 7  )
ويش خير من هيف الجبل في الشعايل
علي نبع سايل
شرابه زلايل
وَمدّ الظَّلايل
مْنين بَرَّمن شاحطات القوايل
اصدار في نَفَسْ مَوْجَ دَاير هَلايل
وْراقة بْرَاقه
خفيف اصطفاقه
منين يتلاقى     
بياضه ايجي منخضر في زراقه
   عندَ اِشتدادِ الحرِّ ، واِستعَارِ الظَّهيرَةِ ، يحتاجُ الإنسَانُ لِلظِّلِّ ، والشَّاعِرُ لا يرى أفضلَ منَ الاستظلالِ في الجبلِ لاعتدالِ مَنَاخِهِ ، وانخفَاضِ دَرَجَةِ حرارتِهِ صَيفًا بسببِ الارتفَاعِ عن سطحِ الأرضِ، لاسيَّما إِنْ كانَ مُصَادِرًا للبَحْرِ فتعلو أمواجُهُ باصطفاقٍ خفيفٍ ، فَيُرَى في تقلُّبِهِ وتتابُعِ أَمْوَاجِهِ يتمازَجُ لَوْنَاهُ الأَخْضَرُ والأَزْرَقُ في عِنَاقٍ لونيٍّ بهيٍّ ، وهي صورَةٌ جميلَةٌ تلتقطُهَا عَيْنَا الشَّاعِرِ المولَعَتَانِ بِالْتِقَاطِ المشَاهِدِ الباهرَةِ ، فَتُشْعِرُنَا اللَّوْحَةُ السَّابِقَةُ بالابترَادِ العفْوِيِّ، وتقحِمُنَا في الجوِّ المتخيَّلِ ، وتقنِعُنَا بما يعتقدُهُ الشَّاعِرُ ، وفي هذا المقطعِ مشاهدُ تنطقُ بالمتعَةِ ، فَضْلاً عن تأثيرِهَا البَالِغِ في نفوسِ المتلقِّينَ ، ( الشعايل ) من الاشتعالِ كِنَايَةً عن شِدَّةِ الحرَارَةِ ، و(شاحطَّات القوايل) ، والشَّحَطُ كما في لسانِ العربِ لابنِ منظورٍ: " البُعْدُ ، وقيل: البُعْدُ في كل الحالات..." ، والقوايل: جمع قائلة ، وهي وَقْتُ اشتدادِ حَرِّ الظَّهيرةِ ، خُفِّفَتْ هَمْزَتُهَا كما يحدثُ على ألسنةِ العوامِّ غالبًا ، والمعنى الذي أرادَهُ الشَّاعِرُ من هذا التَّركيبِ اللُّغَويِّ كأنَّهُ ممثِّلاً لهذهِ الحرارةِ العاليةِ جدًّا بالقوائل البعيدةِ التَّخَيُّلِ لشدِّةِ حراراتِهَا ، واستعارِ أجوائِها ، وهو معنًى وُفِّقَ الشَّاعِرُ في الاتيانِ بِهِ.
والشَّاعِرُ عندَمَا تحدَّثَ عنِ شِدَّةِ الحرِّ ( الشعايل ) و( شاحطَّات القوايل ) لكأنَّهُ قد أوقدَ في أعماقِنا نارًا ، وأجرى في دمائِنَا لهيبًا، فيسرعُ لإسعافِنا بإطفائِهَا بذكْرِ ما يُطْفِئُ هذا الاشتعَالَ واقعيًّا ، ومعنويًّا أيضًا، فَيُوْرِدُ هذه المفرداتِ ( نبع سايل ، شرابه زلايل ، مَدِّ الظِّلال ، نَفَسْ مَوْج ، اِصطفاق الموج ، تداخل الأمواج ) ، وهذا ينمُّ عن ملكَةِ الشَّاعِرِ المدهشَةِ على التَّأثيرِ في المتلقِّي ، والتَّسَلُّلِ إلى أعماقِهِ بهدوءٍ لإقحامِهِ في أجوَاءِ نصِّهِ ، وتحسيسِهِ بتجربَتِهِ الشُّعُوريَّةِ المُثلَى ، وهذا ما أفلَحَ الشَّاعِرُ في إحدَاثِهِ في نفوسِنَا لمقدِرَتِهِ التَّصْويريَّةِ العاليَةِ ، ولمقدِرَةِ أدوَاتِهِ الفنيَّةِ على حَمْلِ مَشَاعِرِهِ لإحداثِ التَّأثيرِ المأمولِ فينا.
وقد كانتِ اللَّوحَةُ السَّابِقَةُ لوحَةً مبلَّلَةً ، تسيلُ بعذوبَةِ نبعِها ، تمنحُكَ فيئَهَا الأمينَ ، وتُظِلُّكَ برهافَةِ ظِلِّهَا الظَّلِيلِ ، تكادُ تلمسُ فيها راحةً وهدوءًا ، تَنْطِقُ مفردَاتُهَا بِلَطَافَةِ الجوِّ بعدَ اشتدادِ الظَّهيرَةِ ، لكنَّها لا تلبثُ أَنَّ تعودَ جوًّا جميلاً معتدلاً.
كما كانتِ اللَّوحَةُ السَّابِقَةُ لها لَوْحَةً ممطِرَةً ، مغرقةً بالماءِ ، لَكَأَنَّ الشَّاعِرَ أرادَ أن يؤكَّدَ أَنَّهُ لن يغلَبَ حرٌّ مَطَرَيْنِ أو بَلَلِينِ ، لنستشْعِرَ بعدَ ذلكَ البَلَلَ البَهِيَّ في أعماقِنَا الحرَّى ، ودواخلِنَا الملتهِبَةِ.

( 8 )
في الْمَحَطَّةِ الْمُوَالِيَةِ يرسمُ لنَا الشَّاعِرُ صورةً جميلةً أخرى ، ومشهدًا مُسْتحسنًا من حَيَاةِ البَادِيَةِ المحبَّةِ للفروسِيَّةِ ، المحتفيَةِ بِالجِيَادِ الأصيلَةِ القويَّةِ ، منذُ أن كانَ الإنسانُ العربيُّ ، أَلَمْ يَقُلِ الْمُتَنَبِّي:
أَعَزُّ مَكانٍ في الدُّنى سَرْجُ سَابِحٍ       وَخَيرُ جَليسٍ في الزَّمَانِ كِتَابُ
والشَّاعِرُ الرويعي يمضي على خطا المتنبِّي في حُبِّهِ لِلْخَيْلِ والاعتزازِ بِها ، والتَّغَنِّي بِأَصَالَتِهَا ، وَنَجابَتِهَا ، وَسُرْعَتِهَا وَعُنْفُوَانِهَا، فيقولُ:
ويش خير من سرج جالط معنَّى
تقول اخطَفنَّه
بجدل المثنَّى
يتلّ فيه جِنَّه
تريد الأرض تنحَلّ من تحت منَّه
بنسورته نقيش الحصا دار زنَّة
يا دوب ايتواقى
من جَوحْ اِنعزاقه
عَ الأرض بحماقه
متجوشن يْطير الزبد من اشداقه
   فلا أروعَ من امتطَاءِ صَهْوَةِ ( جالط امعنَّى ) أي الْحِصَانُ الْقَوِيُّ ، الجَسُورُ ، المشتهرُ ، حينَ يسلمُ قوادِمَهُ للعَدْوِ السَّرِيعِ لَكَأنَّهُ مَخْتَطَفٌ منَ الْجِنِّ ، فَالأرضُ تبدوَ تَحْتَهُ وهوَ يطويها كأَنَّهَا تَتَفَتَّحُ لِوَقْعِ سَنَابِكِهِ ، فيما يُحْدِثُ اصطدامُ سنابكِهِ الْخاطِفِ بِالْحَصَا صوتًا كالرَّنِينِ ، وَقَدْ أَجَادَ الشَّاعِرُ في الاتيانِ بعبَارةِ ( نقيش الحصا ) فَالْجَوَادُ السَّرِيعُ العَدْو لكأنَّهُ يطيرُ طيرانًا فَيُلامسُ الحَصَا مُلامَسَةً خَفيفةً سريعةً.

( 9 )
  وَيَصِلُ بِنَا الشَّاعِرُ إلى الْمَحَطَّةِ الأَخِيرَةِ ، الْمُسْتَرَاحِ النِّهَائِيِّ ، الْمَحَطَّةِ الأَمْتَعِ وَالأَفْضَلِ ؛ إِذْ لا خَيرَ منَ الْحَوقَلَةِ وَالشَّهَادَةِ ، وَصِدْقِ الْعِبَادَةِ للهِ: 
ويش خير مِ الحوقله والشَّهادة
وصدق العبادة
ودرب الجوادة      
وقوّ الإرادة
وانطاح العدو المعتدي من بلاده
وسعوة إن مي نصر تبقى شهادة
للرُّوح انعتاقه
من هَوْل الملاقه
إلاَّ هالطَّوَاقه
مصيرها الكلّ رايحه في براقه



مُخْتَتَمٌ

في كلِّ محطَّةٍ من هذه المحطَّاتِ التي آتى الشَّاعِرُ على ذكرِهَا ، خَطْفَةٌ مَاتِعَةٌ ، اقتناصَةٌ مُبْهِجَةٌ منَ تلكَ الَّتي يقصدُهَا الشَّاعِرُ أو دعا إليها عبرَ اقتراحِهَا علينا من وراءِ سؤالِهِ ( ويش خير ..؟ ).
- ( ويش خير ) سُؤَالٌ وَاثِقٌ مُتَحَدٍّ ، جَعَلَهُ الشَّاعِرُ ( لازِمَةً ) يَنْطِلقُ منها ابتداءً من مفتتحِ القصيدةِ ، إلى سائرِ محطَّاتِها ، لكأنَّهُ بإثارتِهِ لهذا السُّؤَالِ أرادَ أن يُثِيرَ انتبَاهَنَا لما بعدَهُ ، وقد نجحَ في إيقاظِ أذهانِنا إلى ما أرادَ إملاءَهُ عليها من مقترحاتٍ مثيرةٍ.

   وقد كانَ الشَّاعِرُ يُخيِّرُنَا بَيْنَ أُمُورٍ عِدَّةٍ يقترحُهَا ضِمْنًا أثناءَ سردِهِ لـ (الخيريَّاتِ ) التي رَتَّبَهَا تَوَاليًا بحسبِ رؤيتِهِ ، مُغريًا المتلقِّيَ بها ، في سَرْدٍ شِعْرِيٍّ مَاتِعٍ ، وبتسَلْسُلٍ منطقيٍّ تكتظُّ فيهِ الصُّوَرُ المتراصِفَةُ تراصفًا حميمًا بليغًا ، فَتَسْنُدُ بعضُهَا بعضًا ، وتحيلُ إحداها إلى ما يَلِيهَا بِعَفْوِيَّةٍ مُثْلَى ، وَإِقْنَاعٍ شَدِيدٍ ، وبمتعَةٍ لا تُخْفى ، حتَّى لنشعرَ ونحنُ نتصفُّحُها ، أَنَّ قلوبَنَا تنزلقُ على الخيوطِ الحريريَّةِ الدَّقيقةِ التي تفصلُ بينَهَا لفظًا ، وتصلُهَا حقيقةً ومنطقًا ، نشعرُ وكأنَّنا إزاءَ مَعْرِضٍ شِعْرِيٍّ مُتَعَدِّدِ الألوانِ واللُّوحَاتِ والنُّقُوشِ والدَّلالاتِ ، مَعْرِضٍ شِعْرِيٍّ تصحبُنَا فيهِ الصُّورَةُ الماتعَةُ ، واللَّفْظَةُ الْفَاتِنَةُ الدَّقيقَةُ المصوَّبَةُ من فوهَةِ المعاني الفَارِهَةِ نحوَ الْقُلُوبِ مِثْلَ طَلْقَةٍ ، وَتَسْحَبُنَا من أُنُوفِ أذواقِنا إلى اِشتمَامِ عبيرِ الفتنَةِ، وتنسُّمِ شميمِ الدَّهْشَةِ ، بِسَيرٍ عَفْوِيٍّ مَتِينٍ يُفْضِي بِهِ وبِنَا إلى لوحَةٍ أخيرَةٍ وهيَ العودةُ الحميدةُ إلى اللهِ ، العودَةُ الميمونةُ المأمونةُ الَّتي لا خيرَ قبلَها ولا بعدَها.
وقد لاحظْنَا أنَّ الشَّاعِرَ كانَ يُؤَثِّثُ فَضَاءَ قصيدتِهِ المبهرَةِ ، رحلتِهِ البهيَّةِ ، تأثيثًا جميلاً ، مُهَيِّأً لتخيُّلاتِهِ الجوَّ المنَاسِبَ ، والبراحَ المبتغى؛ فبعدَ أنْ سَرَدَ أمنياتِهِ ، ثمَّ جَمَعَ شَمْلَ رِفَاقِهِ الَّذِينَ انتقَاهُم لهذِهِ السَّفرَةِ المختلفَةِ ، ثمَّ انتَقَى وَسيلَةَ السَّفرِ ، ثمَّ هيَّأَ الأدواتِ اللازمةَ ، والأماكنَ والأوقاتَ المناسِبَةَ ، واختارَ المكانَ والوقتَ المناسِبَيْنِ ، وأثَّثَ الجلسَةَ بما يلائمُهَا.
وقد أوردَ الشَّاعِرُ تبدُّلَ نَفْسِيَّاتِ رِفَاقِهِ بخلوِّهَا - بهذِهِ الرَّحلةِ - منَ الهمِّ والكِدرِ والضَّجَرِ.


ملاحظاتٌ فَنِّيَّةٌ

# تبدَأُ القصيدَةُ بالحُبِّ الإنسَانيِّ القويمِ ، بالوُدِّ النَّقِيِّ ، وتنتهي بالعودَةِ المثلى للهِ من خلالِ الحوقلَةِ  والشَّهَادَةِ ، الرِّحْلَةُ نَظيفَةُ بريئَةٌ تخلو من أيِّ صورٍ للعشقِ أو اللَّهوِ الماجِنِ ، أو التَّسَكُّعِ الْمُنْكَرِ ، أو التَّلهِّي البَذِيءِ ، هيَ رحلَةٌ روحِيَّةٌ بها أُنْسٌ ووُدٌّ وأشواقٌ وجلوسٌ ، وتجوالٌ ، وسعادَةٌ واجتماعُ شملِ الأَحِبَّةِ ، وَلَعِبٌ وتسالٍ ، وجوبُ الصَّحراءِ ، وممارسةُ هوايتينِ: اصطيادُ الغزلانِ ، وَقَنْصُ الطُّيورِ بالصُّقُورِ ، احتساءُ شايٍ ، وتأمُّلُ الطَّبيعَةِ ، نجومِهَا ، وسمائِهَا وصحرائِها ، والتَّمتُّعُ بهوَاهَا ونسيمِهَا ، وَنَدَاهَا ، والاستمتاعُ بَصَبِيبِ المطَرِ ، وانحدارِ السَّيلِ وَعِنَاقِهِ لماءِ البحْرِ، استمتاعٌ بألوانٍ مبهرةٍ تُشَكِّلُهَا الطَّبيعَةُ في لوحاتٍ فاتناتٍ مختلفاتٍ ، تفيُّؤُ ظِلالِ الجبلِ وقتَ اِشتدادِ الحرِّ ، وابترَادٌ بسيلانِ نبعٍ عذبٍ.
# في قصيدَتِهِ المدهِشَةِ يَقْبِضُ الشَّاعِرُ على مَشَاهِدَ أَرْضِيَّةٍ ، وَمَشَاهِدَ فَضَائِيَّةٍ ، فهو ينقلُ عدسَتَهُ الشِّعريَّةَ بينَ السَّمَاءِ والأرضِ ، فأحيانًا يُصَوِّرُ مشاهدَ أرضيَّةً ، ثمَّ ما يلبثُ أن ينتقلَ لتصوير صورٍ فضائيَّةٍ كاقتناصِ الطُّيورِ ، سُقُوطِ المطرِ ، أعالي الجبل يَهْبِطُ السَّيْلُ من عَلْيَائِهَا ، ولمعانِ النُّجُومِ ، وبزوغِ القَمَرِ.
 كَأَنَّ الحِصَانَ القَوِيَّ النَّشِيطَ كَانَ مُعَدًّا منَ الشَّاعِرِ للجِهَادِ ، فَذَكَرَهُ قبلَ المحطَّةِ الأخيرَةِ الَّتي تطرَّقَ فيها لأحسنِ التفاصيلِ وأجداها ، وهو الجهادُ في سبيلِ اللهِ ، ومقارعَةُ الأعداءِ ، وطلبُ الشَّهَادَةِ في سبيلِ اللهِ.

# الشَّاعِرُ مفتونٌ بالأمكنَةِ ، مأخوذٌ بالخلاءِ ، مأسورٌ بالطَّبيعةِ ، لهذا فقد مضى بنا في رحلةٍ دائريَّةٍ ابتدأَهَا من حيثُ هو ، ومن حيثُ نحنُ ، من شعورِنَا بالقلقِ والضِّيقِ والإحباطِ والانكسارِ ، هذِهِ المُنَغِّصَاتُ الَّتي تُعَبِّئُ بِهَا الْحَيَاةُ الْمَدَنِيَّةُ الْجَافَّةُ نُفُوسَنَا ، وتحشو بِهَا قلوبَنَا ، إلى أن ينتهي بنا إلى مختتمٍ ماتعٍ ، مختتمٍ معنويٍّ هو العودَةُ إلى اللَّهِ ففيهِ الرَّاحَةُ النَّفْسِيَّةُ المبتغَاةُ ، كأنَّهُ يستحضرُ قولَهُ تعالى: " فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) الذَّاريات ، آية 50. 
# الشَّاعِرُ وفيٌّ للبَادِيَةِ بِكُلِّ تفاصيلِهَا ، بجغرافيِّتها ، وأدواتِها ، لذا حافظَ على المعاني التي تربطُنا بها دونَ الاستعانَةِ بألفاظٍ عصريَّةٍ في الوصفِ والسَّردِ ، معَ اقترَابِ أغلبِ هذهِ الألفاظِ العامِّيَّةِ منَ اللغةِ الفصحى أو تُطَابِقُهَا معَها تمامًا، وذلكَ لعروبةِ البيئةِ الشِّعريَّةِ الَّتي يحيا فيها الشَّاعِرُ.
# الرِّحْلَةُ كانت هروبًا إيجابيًّا نحوَ براحاتِ الحرِّيَّةِ الواسِعَةِ مُتمثِّلَةً في الطَّبيعَةِ الأمِّ التي لا تُقِيِّدُ أبناءَها بغيرِ محبِّتِهَا ، فَيَنْدَفِعُ الشَّاعِرُ للإلقَاءِ بنفسِهِ ، بوجدانِهِ ، بأحلامِهِ ، وأحلامِ مرافقيهِ ، مجموعَةِ الرِّفَاقِ في أحضَانِ الخلاءِ العجيبِ المهيبِ ، والشَّاعِرُ وإن كانَ ينحو نحوَ اتِّبَاعِ المدرسَةِ الرومانسيَّةِ في جنوحِهِ لأحضانِ الطبيعَةِ ، والفرارِ من ضجيجِ الحياةِ ، ولغطِ المدينةِ ، إِلاَّ أَنَّهُ يخالفُهُم بِعَدَمِ تَشَاؤُمِهِ، فهو يبدو مسرورًا منتشيًا برحلَتِهِ ، أو رحلاتِهِ ، وتظهرُ علاماتُ ابتهاجِهِ في ألفاظِهِ ، إذ نلحظها في تعابيرِهِ وتمنِّياتِهِ التي تظهرُهُ ورفاقَهُ في قمَّةِ الفرحِ ، ومنتهى الطَّربِ والسَّعَادَةِ.

# الشَّاعِرُ يُزَاوِجُ بينَ الرُّوحِ والنَّفْسِ ، يُوَائِمُ بينَ مُتَطلَّبَاتِ كليهما دونَ أنْ يحرِمَ أيًّا منها لذَاذَاتِهَا وَمبتغيَاتِهَا. فَالخلاءُ والصِّيدُ والطرادُ وركوبُ الخيلِ والمسامرةُ ، ممَّا يُسَرِّي عنِ النُّفُوسِ ، ويُجْلِي هُمُومَهَا ، وَيُذْهِبُ أحزانَهَا وأوصَابَهَا ، وهذِهِ جُلُّهَا هِوَايَاتٌ  ، والمَرْءُ – غالِبًا - يختارُ هواياتِهِ ، ولا تفرضُ عليهِ ، لكنَّ حياةَ المدنِ قد تملي على المرءِ نوعًا معيَّنًا من أنواعِ العيشِ ، وتجبرُهُ على ممارسَةِ هواياتٍ لا يجدُ فيها ما يجلبُ السُّرُورَ لنفسِهِ.
# لم يتطرَّقِ الشَّاعِرُ إلى لِذَاذَاتِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، إلا مرَّةً واحدةً عندَ حديثهِ عن ( الشَّاي ) إذ يراهَا ضرورَةً مُلِحَّةً لمثلِ هذهِ الجلسَاتِ ، ومكمِّلاً لها ، لكن قد يكونُ ما يَصْطَادُهُ من طيورٍ وغزلانٍ مقدمةً لموائدَ عامرةٍ بأطايبِ الطَّعَامِ ، وإن كنْتُ أرى أن الصَّيدَ لم يُقْصَدْ لغايَةِ الأكَلِ بحدِّ ذاتِهِ ، وإنَّما لأجلِ متعَةِ الطِّرَادِ ، ولذِّةِ تَعَقُّبِ هذهِ الكائناتِ الَّتي تقاسمُ الإنسانَ حياتَهُ ، وقد خلقَتْ لأجلِهِ ، والصَّيدُ والطَّرادُ هِوَايَاتٌ قديمةٌ مارسَهَا الإِنْسَانُ عَلَى مَرِّ العُصُورِ مذ كانَتِ الحياةُ، منذُ كانَ الإنسانُ وما يقاسِمُهُ مملكَتَهُ وفردوسَهُ الأَرْضِيَّ .
# كانت عمليَّةُ الصَّيدِ قديمًا - غالبًا – ما تَجْرِي بِالنَّهَارِ لانعدامِ الوَسَائِلِ العَصْرِيَّةِ الَّتي تُعينُ على الصَّيدِ ليلاً ،  والشاعرُ يوردُ - ضمنًا - أن عمليَّةَ الصَّيدِ قَد تمَّتْ نهارًا ، كاصطيادِ الحبارى ، غيرَ أنَّ ذكرَهُ لاخضرارِ عينِ الغزالِ جرَّاءَ انعكاسِ الضَّوءِ عليها ،  يشيرُ إلى دخولِ التَّقنيَّةِ الحديثَةِ في الصَّيدِ الصَّحْرَاويِّ بخاصَّةٍ ، فلمعانُ عينِ الغزالِ كانَ بسبَبِ انعكَاسِ ضَوْءِ السَّيَّارَةِ الكاشِفِ المسلَّطِ على الغزالِ بغيَةَ تحديدِ مكانِهِ.
وعندَ ذكرِهِ الصَّيدَ ، لم يتطرَّقْ لذكرِ أَيِّ نوعٍ منَ السِّلاحٍ ، وإنما اكتفى بذكرِ وسائلِهِ كالسَّيَّارةِ والصَّقْرِ.

# الجانبُ الرُّوحيُّ يتمثَّلُ في المحطَّةِ الأخيرةِ ( الحوقلة والشهادة وصدق العبادة
ودرب الجوادة ، وقوّ الإرادة ، وانطاح العدو المعتدي من بلاده ، وسعوة إن مي نصر تبقى شهادة ، للرُّوح انعتاقه ، من هول الملاقه ..) ، فهذهِ كلُّها تربطُ المرءَ بخالقِهِ روحيًّا وكأنَّهُ – ضمنًا – أرادَ أن يقولَ : لاشيءَ من تلكمُ المتعِ باقٍ ولا نافعٌ ، سوى هذهِ القيمِ الَّتي أختمُ بِهَا رحلتيَ الشِّعريَّةَ الرُّوحيَّةَ ، ويؤكِّدُ هذا المختتمُ المبينُ الرَّصينُ ما ذهبْنَا إليهِ: " إلاَّ هالطَّواقه ، مصيرها الكلّ رايحه في براقه".

التَّشْكِيلُ الْفَنِيُّ /
 
 الشَّاعِرُ رِسَّامٌ ماهرٌ ، وتشكيليٌّ متمرِّسٌ ، أجادَ رسمَ لوحاتٍ شعريَّةٍ ناطقةٍ بحرفيَّةٍ عاليةٍ ، ومهارةٍ كبيرةٍ ، ودقَّةٍ متناهيةٍ ، عبرَ تصويراتٍ لحظيَّةٍ بارعةٍ ، فقد صَوَّرَ لنا المشَاهِدَ المقترحَةَ تصويرًا لافتًا بعينِ عدستِهِ الشِّعريَّةِ الحسَّاسَةِ الدَّقِيقَةِ ، مُبَرْهِنًا أَنَّ الشَّاعِرَ العَامِّيَّ يمكنُهُ أن يرسمَ بالكلمَاتِ مشاهدَ مدهشةً ، ولوحَاتٍ فنيَّةً مثيرةً ، ويجعلَ من صورِهِ مناظرَ مُتَحَرِّكَةً مُبِيَنةً ، لكَأَنَّهَا لَقَطَاتٌ سينمائيَّةٌ مقتنصَةٌ ببراعةٍ وحرفيَّةٍ ، ومَصوغَةٍ بِمهارةٍ تنبئُ عن براعةِ التَّمثيلِ ، وحُسْنِ التَّصويرِ ، وجمالِ التَّنَاوُلِ، وفتنةِ العَرْضِ ، وطريقَةِ اقتراحِهَا على المتلقِّي لِتُقْنِعَ وَتُبْدِعَ.
إِنَّهَا لَوْحَاتٌ تشكيليَّةٌ مدهشةٌ تتحوَّلُ فيها عينُ الشَّاعِرِ إلى عَدَسَةٍ حسَّاسَةٍ ، وتغدو أَحَاسِيسُهُ صُوَرًا نَاطِقَةً وَاضِحَةَ الأَبْعَادِ ، دَقِيقَةَ التَّفاصِيلِ ، عميقةَ المعاني ، تموجُ لوحاتُهُ بالحركَةِ الدَّائِبَةِ المستمرَّةِ عبرَ تفعيلِ الكلماتِ ، اتِّكاءً على أفعَالٍ نابضةٍ تمنحُ الأبياتَ حياةً ورُوَاءً.
الأَلْوَانُ/
   تَتَبَاهَى القصيدةُ بألوانِها الزَّاخِرَةِ ، وتمتزجُ فيها مجموعةُ ألوانٍ زاهيةٍ تتواءَمُ مع بعضها بعضًا ، فَتُسْهِمُ في تجميلِ وجهِ القصيدةِ ، هي ألوانٌ غيرُ مفتعلَةٍ ؛  فالقصيدةُ مستغنيَةٌ بحمالِها الداخليِّ عن أيَّةِ مساحيقِ تجميليَّةٍ ، وإنما هي ألوانٌ أصيلةٌ تنطقُ بها مكوِّناتُ القصيدةِ ، وتمتزجُ هذهِ الألوانُ بقزحيَّةٍ فاتنةٍ لتزيِّنَ اللَّوْحَةَ المثيرَةَ بالكلمَاتِ ، من هذهِ الألوانِ ما هوَ ظِاهرٌ واضحٌ ، ومنها ما هو مضمرٌ يلمحُ ويرى من خلالِ دلالاتِ الكلماتِ والتَّعابيرِ ، ففي مطلعِ القصيدةِ ( ومجلس رواقه ) فللمجلسِ ألوانُهُ المختلفةُ ، ( وجوبُ الخلاءِ ) ولهذا الخلاءِ ألوانُهُ المتعدِّدَةُ ، صَمَتَتِ القصيدةُ عن ذكرِهَا ، ويمكنُنَا استنتاجَهَا بحسِّنَا عندَ استنطاقِ النَّصِّ.
( ويطرشق زواقه ) لونُ الطِّلاءِ ، ( احراقه ) اللونُ الأسودُ ، وهو لونُ الاحتراقِ عامَّةً.
( شَقّ صحرا خشينة ) وهذهِ العبارَةُ تتناسلُ منها ألوانٌ كثيرةٌ ، فكلمَةُ ( خشينة ) توحي بصلابةِ الأرضِ بكثيرٍ منَ الأوعارِ كالحجارةِ بأنواعِها واختلافِ ألوانِها ، والرِّمالِ والمرتفعاتِ والمنخفضاتِ والنباتاتِ والأخرى ، ولكلِّ هاتِهِ الأشياءِ ألوانُها.
( بكروزر متينة ) وقد أحجمَ الشَّاعِرِ عن ذكرِ لونِ السَّيَّارةِ لعدمِ أهمَّيَّةِ ذكرِ اللَّونِ هنا.
لونُ الغزالِ ( عليه وينما جرَ الخضار عينه ) والأخضرُ لونُ عينيهِ ،  لونُ الصَّقرِ ، الحبارى ، لونُ السَّمَاءِ ، لونُ مخلَّفَاتِ الصَّقرِ ( الذَّرق ) لونُ الشَّاي ، والجمرِ ، لونُ الرُّغوَةِ ، واللَّيلَةِ المقمِرَةِ ، ألوانُ النُّجُومِ البيضَاءِ والحمراءِ ، ألوانُ الرَّوضِ بورودِهِ وأزاهيرهِ ، لونُ الغَيْمِ ، الماءِ ، المطرِ ، التُّرابِ المثَارِ بفعلِ السَّيلِ ، لونُ البلطِ والقعاري ، الحيطِ والشَّفَاري ، الجبلِ ، البحرِ ، التُّرَابِ الأحمرِ ، لونُ الظَّهيرَةِ المشمسَةِ الحَارِقَةِ ، لونُ النَّبْعِ ، لونُ الظِّلالِ ، لونُ الموجِ ، بياضِهِ وزرقتِهِ ، لونُ الحِصَانِ ، لونُ السَّرجِ ، لونُ الأرضِ ، لونُ حوافرِ الجوادِ ، لونُ الحصا ، لونُ الغُبَارِ ، لَونُ الزَّبَدِ. وَغَيرُها من ألوانٍ عَمِلَتْ عَلَى إبرازِ معالِمِ لوحَةِ القصيدةِ ، أو القصَيدَةِ اللَّوْحَةِ.

الموسِيقا والإِيقَاعَاتُ/
موسيقا الأبيَاتِ عاليَةٌ جِدًّا ، يبدأُ الشَّاعِرُ بمقطعٍ ثلاثيٍّ هو مطلعُ القصيدةِ ، ثمَّ يعتمدُ الإيقاعَ الشِّعْرِيَّ السُّدَاسِيَّ المقَاطِعِ ، إذ يتكوَّنُ كلُّ مقطعٍ من سِتِ فقراتٍ قصيرةٍ يختتمُ ( بقفلَةٍ ) تعيدُهُ لمطلعِ القصيدةِ ، وهي من وزنِ المطلعِ وعلى قافيتِهِ ، وتتكوَّنُ من ثلاثِ فقراتٍ دائمًا.
وقد منحَ الإيقاعُ القصيرُ المتَسَارِعُ القصيدَةَ جَزَالَةً وخفَّةً ، وموسيقا تَغْرُسُ حُبَّهَا في القلوبِ ، وتُجَذِّرُ فتنَتَهَا في الوجدانِ. 

السُّرْعَةُ/
# القصيدَةُ تسيرُ بسرعَةٍ كبيرةٍ عبرَ إيقاعٍ داخليٍّ متواترٍ ، هذا ما سَنَشْعُرُ بِهِ ونحنُ نقرأُ أفعالَهُ المنتقَاةَ ، وكلماتُهُ الدَّالَّةُ على الحركةِ السَّريعَةِ مثلُ: الخطفَةُ ( خطفة سويعات ) ، والخطفُ فعلٌ سريعٌ ، و( جوب الخلا ) وهو شقَّ الصَّحْرَاءِ فعلٌ يقتضي سرعةً بعينِها ، كما أنَّهُ يذكرُ تصريحًا أو تلميحًا سرعاتٍ مختلفةً كسرعَةِ السَّيَّارَةِ ، سرعَةِ الغزالِ ، سرعَةِ الصَّقْرِ ، سرعَةِ الحُبَارى ، وبعضُ السُّرُعَاتِ تُنْبِئُ عنها الألفاظُ وبخاصَّةٍ الأفعالُ مثلُ: ( طوَّح ، فاج بمراقه ، لحقه وساقه ، خبط ، سفى ، ثوَّر ، عدَّا يوشّ ، نزل في ضياقه ، مدّ الظلايل ، اصطفاق الموج ، ( خفيف اصطفاقه ) كما تبدو سُرْعَةُ الْتِقَاءِ المَائينِ ببعضِهما ، وسرعة الحصانِ بتبيانِ ملامسَتِهِ الخفيفةِ للحصا ( نقيش الحصا ) فهذه كِنَايَةٌ عن سُرْعَةِ الحِصَانِ حتَّى أنَّ حَوَافِرَهُ تنقشُ الأرضَ نقشًا فلا تستقرُّ عليها.
الصَّوْتُ /
تَشَكَّلَتِ القصيدَةُ من عِدَّةِ لوحَاتٍ حيَّةً ، تسمعُ صوتَهَا ، وتبصرُ حركاتِهَا ، وَتَلْمَسُ روحَها ، وترى ألوانَهَا ، وتقفُ على رَوعَةِ تفاصيلِها ، وجمَالِ أبعادِها ، وَهي صورٌ ناطقةٌ بالصَّوْتِ واللَّوْنِ والحركةِ ، فَالصُّورَةِ: يطرشق ازواقه ( صوت هذا التغيُّر ) اللعبُ والتَّسَالي وما يصدرُ عن فاعليهما من أصواتِ السُّرُورِ والابتهاجِ ، الضَحِكُ ( بضحكة ) ، صوتُ المروحَةِ ( مفيت مروحة تنوح نوح الحزينة ) صوتُ السَّيَّارَةِ المعلومِ ، وقد أبانَ الشَّاعِرُ أَنَّهُ لا يكادُ يسمعُهُ مبالغةً في جودَةِ صناعتِها ، فهي لا تحدثُ صوتًا مزعجًا لراكبيها.
الفعلُ ( شقَّ ) يُوحِي بحدوثِ أصواتٍ كثيرةٍ مترتِّبَةٍ عن هذا الشَّقِّ ، صوت ركض الغزال المطارد ، صوت الصقر المصطاد حركة جناحيهِ ومخالبِهِ ، وصوت ارتطامه بزجاج السيَّارة ( نطح في القزاز همَّ همَّةْ اطيارة ) ، ( كظَّم ، طوَّح ، فاج ، لحقه ، وساقه ،  ماسكه ) كل هذه أفعالٌ توحي بحركاتٍ مختلفةٍ تَصْدُرُ عنها أصواتٌ ، كما لكلمة ( بوخ ) وهي حالُ وصَوْتُ غليانِ الشَّاي ، صَوتُ الجمرِ ، طَشّ النَّدا ، نسَّم خثاقه ، شطيط النفس ، صوت النَّفَسِ ، ( ينتفض ) ، والانتفاضُ حركةٌ تتركُ صوتًا ، عودَةُ النَّفَسِ ، ( خبط ) صوتُ هطولِ المطرِ على الأرضِ بشدَّةٍ وغزارةٍ ، ( بشبوب ماه جاري ) صوتُ جريانِ الماءِ سيولاً عقبَ نزولِ المطرِ ، ( سفا مع الحداري ) صوتُ انحدارِ الماءِ من أعلى إلى أسفلٍ راميًا الغثاءَ في طريقِهِ يمينًا وشمالاً ، ( ثوَّر ) أثارَ ، ( عدَّى ) صوتُ تدفِّقِ السَّيلِ المستمرِّ ، ( نزل ) تَسَاقَطَ من أعلى الجبلِ إلى أسفلِ الأوْدِيَةِ وَالْقِيعَانِ ، ( عَ المالح دفاقه ) صوتُ اختلاطِ ماءِ المطرِ العذبِ القادمِ من أعالي الجبلٍ بماءِ البحرِ الهادِرِ  أسفلَهُ ، ( تقرَّع ) صَوْتُ تدفُّقِ المَاءِ وارتطامِهِ بالصُّخُورِ وغيرِها ، وهي صورةٌ فنيَّةٌ باذخةٌ جميلةٌ ، قَصَدَ بِهَا أَنَّ التُّرَابَ الأحمرَ الذي سَاقَهُ السَّيْلُ مَعَهَ ، قَدِ اختلطَ بمَاءِ البحرِ حتَّى تبدَّلَ لونُهُ إلى الأحمرِ كأنَّهُ يَتَجَشَّؤُهُ ، كِنَايَةً عن قَوَّةِ جريانِ السَّيْلِ النَّاتِجِ عن غزارةِ الأمطارِ.
نفسُ الموجِ ، اصطفَاقُ الموجِ الخفيفِ: حركتَانِ واضحتانِ وصوتُهُمَا معلومٌ .
صوتُ اصطدَامِ حوافِرِ الجَوادِ بالأرضِ ، صَوتُ الحَصَا وهو يتطايرُ بفعلِ حَرَكَةِ وقوعِ أقدامِ الحِصَانِ عليهِ.
( بجوح انعزاقه ) شدةُ اندفاعِ الحِصَانِ ، وهذِهِ لهَا أصواتٌ وجلبَةٌ كبيرةٌ.
يطيرُ الزَّبَد ، صوتُ خروجِ الزَّبَدِ متطايرًا من فمِ الحِصَانِ المُسْرِعِ.
(الحوقلة والشهادة ) وهما كلامِ المرءِ ، صوتُهُ وهو ينطقُ بهما ، ( صدق العبادة ) العباداتُ كُلُّهَا أفعالٌ وحركاتٌ ، ومن ثمَّ تتولَّدُ عنها أصواتٌ مختلفةٌ .
( نطاح العدو ) أَيْ مُحَاربَتُهُ ، ولِمُقَارَعَةِ العَدُوِّ قَرْقَعَةٌ وَجَلَبَةٌ وَفَوْضَى لا عَدَّ لَهَا.
( سعوة ) السَّعْي على الأعمالِ الخيِّرَةِ وما بِهِ من حركَةٍ تنتجُ أصواتًا مختلفةً.
صوت التقاء ماء السيل بماءِ البحرِ ( منين يتلاقى ) ، وسرعَةُ الجَوَادِ النَّشِيطِ المندفعِ ( تقول اخطفنَّه  ).
تدفُّق السيل ، انهمار المطر ، حركةِ الموج ، سيلان النَّبعِ العذب) ، كلُّ هذهِ الأفعالِ توحي ـ نفسيًّا بالسُّرعَةِ الهائلةِ التي تنطلقُ بها القصيدَةُ نحوَ الأعماقِ ، وفي الأعماقِ أيضًا.
# تكمنُ في لوحتِهِ الأخيرَةِ الَّتي اختارهَا ، أعظمُ المحطَّاتِ ، وقد جعلَهَا الشَّاعِرُ خَاتمةً لرحلتِهِ الشِّعْرِيَّةِ ، لمحطَّاتهِ الحكميَّةِ العاقلةِ جِدًّا ، وقد ذَكَرَ الجِهَادَ مسبوقًا بوصفِ الحصانِ القويِّ ، لعلَّهُ كان يشيرُ – ضِمنًا – إلى إلى أهميَّةِ الاستعدادِ لدفعِ كيدِ الأعداءِ بأمرٍ إلهيٍّ وهو**:" وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (الأنفال : 60 )  "
  فالخيلُ رمزٌ لكلِّ عدَّةٍ وعتادٍ ، لكلِّ وسيلةٍ يمكِنُنَا بها مجابَهَةُ الخصومِ ، ودحرُ مكائدِ الأعداءِ ، وردُّ بأسِهِم ، وتحطيمُ جبروتهم.
# بعدَ الصَّيدِ جَلَسَ الشَّاعِرُ للسَّمَرِ والتمتُّعِ بجمالِ الكونِ ، وسحرِ الطبيعَةِ ، وفتنةِ اللَّيلِ ، إلى أن يسلِمُهُ سهرُهُ الماتعُ للفجرِ المقبلِ فأيقظَ فَجْرًا الحيَاةَ والكائِنَاتِ، ثمَّ حرَّكَ الطَّبيِعَةَ ، وذكرَ أفعالاً هيَ أصواتُ الحياةِ من حولِهِ " الخطوةُ، الخطفُ ، اللَّعِبُ ، التَّسَالي ، الضَّحِكُ ، شَقُّ الصَّحْراءِ ، نَوْحُ مروحةِ السَّيَّارَةِ ، رَكْضُ الغَزَالِ ، مطاردَةُ الصَّقْرِ للفريسَةِ ، تفتُّحُ زهورِ الرَّوضِ ، وهبوبُ النَّسَمَاتِ ، وانتشارُ العبيرِ ، وتنفُّسُ الصُّدُورِ ، انهمَارُ المطَرِ ، جريانُ الماءِ ، حَركَةُ السَّيلِ ، تدفُّقُ الماءِ ، امتدادُ الظِّلالِ وقتَ الظَّهيرَةِ.

 

هناك 3 تعليقات:

  1. ثقافة الهزيمة .. أرجوك لا تعطنى هذا السرطان‏‏

    نشرت جريدة المصرى اليوم فى 20 و 23 أكتوبر 2012 “مرسى” لأهالى مطروح: المشروع النووى فى الضبعة.. و”ما أدراكم ما الضبعة!” قال الرئيس “مرسى” للأهالى إنه يسعى لإنشاء 5 مشروعات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، وليس مشروعاً واحداً فى الضبعة، ومازح الأهالى قائلاً: “الضبعة.. وما أدراك ما الضبعة”

    و نشرت مجلة دير شبيجل الألمانية فى 19 مايو 2011 “الفلبين : أطلال المفاعل النووى باتان مزار للسياح ” كارثة فوكوشيما أعطت رد فعل ، المفاعل النووى الوحيد فى الفلبين
    Bataan لم يتم تشغيله أبدا و لم ينتج كيلو وات واحد من الكهرباء للأن و سيظل هكذا مستقبلا ، و الأكثر من هذا أن المفاعل النووى الذى يقع على شبة جزيرة باتان أصبح منذ مايو 2011 مزار للسياح.

    و نشرت صحيفة دير شتاندرد النمساوية فى 15 يونيو 2011 إيطاليا تظل خالية من الطاقة النووية، هو قرار الإيطاليين فى أستفتاء شعبى و الذى صوت بنسبة 95 % ضد الطاقة النووية.

    ألمانيا و بلجيكا و سويسرا يقرروا إنهاء الطاقة النووية و أغلاق مفاعلاتهم النووية تدريجيا..

    باقى المقال بالرابط التالى www.ouregypt.us

    لماذا الأصرار علي الحرث في البحر ؟!! والمنطقة العربية مشهورة بصحاريها المشمسة فترة طويلة من العام. العالم الغربي يرجونا أن نصدر له الطاقة النظيفة عن طريق الخلايا الشمسية بالصحراء الغربية ، والمسؤلين الكهول المتحجرين الملتصقين بكراسيهم ما زالوا يصرون علي مشروع الضبعة النووي حتي لا يفقدوا عمولات حصلوا علي جزء منها والباقي ما زال في أنتظار التنفيذ ؟! طبعا سيستوردوا مفاعلات من زبالة أوروبا النووية ولتذهب منطقتنا الي جحيم الذرة ما دامت كروشهم مستمرة في التضخم !!!

    ردحذف
  2. نعجز عن وصف الشاعر وشرحك استاذنا الفاضل

    ردحذف